السيرة النبوية للأطفال،عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم (الجزء الرابع).

 الدعوة السرية

بدأ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سرًا، لأنه خشي من قومه الكفار الأشرار أن يؤذوه ويعذبوا المؤمنين الطيبين. 

فبدأ يكلم الناس السر؛ يقول لهم إني رسول الله إليكم، وأمرني أن أدعوكم إلى عبادته وحده (التوحيد)، و أحذركم من عبادة غيره (الشرك)، وأمركم بفعل الخير ومحاسن الأخلاق، و أحذركم من كل شر. 

ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بدعوة أهله المقربين إلى عبادة الله وحده، فآمنت به زوجته خديجة، ثم صديقه أبو بكر رضي الله عنه، ثم ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أول غلام صغير آمن به، وكان عمره عشر سنوات. ثم تتابع الناس في الدخول في دين الله عز وجل. 

وكان يعبدون الله سرًا، ويصلون ويصلون في بيوتهم، بعيدًا عن أعين الكفار الأشرار؛ خوفًا أن يروهم، فيؤذونهم ويعذبونهم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع مع المسلمين سرًا في بيت اسمه : دار (الأرقم بن أبي الأرقم)، يقرأ عليهم القرآن، ويعلمهم أحكام الإسلام، والأخلاق الطيبة، وجميع أعمال الخير، حتى يعيشوا سعداء في الدنيا، ثم يدخلهم الله الجنة يوم القيامة. 

الدعوة الجهرية

استمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو الناس سرًا ثلاث سنوات، حتى نزل عليه قول الله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين). 

فبدأ يدعو الناس علانية، بأن جمع أقاربه من بني هاشم أكثر من مرة، وأخبرهم أنه رسول الله، وأن هناك موت وبعث وحساب وجنة ونار. 

الدعوة الجهرية العامة

وبعد ذلك نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى : (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين) يعني : اجهر بما تؤمر به من الدين الحق وأظهره وأعلنه بين الناس. فقام النبي صلى الله عليه وسلم ينهى الناس عن عبادة الأصنام، والشرك بالله والضلال. 

صعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يومًا جبلًا بجوار الكعبة، اسمه : (جبل الصفا) ونادى على الناس بصوت عال حتى اجتمع إليه جميع أهل مكة حول الجبل. 

وأخبرهم أن الله عز وجل اختاره ليكون رسولًا لجميع الناس؛ وأمرهم أن يعبدوا الله وحده حتى يدخلوا الجنة، وألا يعبدوا شيئًا غيره من الأصنام والحجارة التي لا تسمع ولا تتكلم ولا تفهم ولا تنفع ولا تضر.. 

وأن من سيعبد غير الله، فيصلي له أو يدعوه، سيدخل النار. 

وقال لهم : أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا. 

أبو لهب وزوجته أم جميل

سكت الناس وتفرقوا يفكرون في كلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، إلا واحدًا من أهله، وهو عمه أبو لهب، وكان رجلًا قاسي القلب من الكفار الأشرار، وكان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين. 

قال أبا لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم : تبًا لك يعني : خبت وخسرت (يدعو عليه بالخسران والخيبة)؛ ألهذا جمعتنا؟! 

فنزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبت يدا أبي لهب وتب) المسد. إلى آخر السورة. 

أي : خسرت يدا أبي لهب، وضل عمله وتأكد هلاكه خسارته. 

يعني : أنت يا أبا لهب الذي ستخسر وتضل وتموت كافرًا، أو تدخل النار. 

خوف أبو لهب قومه من اتباع ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقال لهم : إنكم لو اتبعتموه وساعدتموه على نشر دعوته، ستحاربكم جميع الناس، ويعادونكم! 

وفي نفس الصوره نزل قرآنًا في زوجته يتوعدها بالنار، كما توعد زوجها، وكانت امرأة كافرة مؤذيه شريرًة، أسمها : (أم جميل) . وكانت أيضًا من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم. 

آمن بعض الناس الذين كانوا يعبدون الأصنام، بالدين الجديد دين الإسلام، فتضايق الكفار الأشرار، واجتمعوا يفكرون، ويخططون كيف يصرفونهم عن هذا الدين الجديد؟ فقال أحدهم : سنقول إن محمدًا ساحر، يسحر الناس ويجعلهم يتركون دينهم ودين آبائهم، فيفرق به بين الإنسان وأبيه وأخيه، وزوجته وأهله. 

وقال آخر : ونسخر أيضًا منه ومن القرآن، ونتهمه بالجنون والكذب، فعندما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الناس في منازلهم وفي الأسواق، وفي موسم الحج  يدعوهم إلى الله، كان عمه أبو لهب يمشي وراءه يقول : لا تطيعوه؛ فإنه كذاب. لم يستمع الناس إلى أبي لهب! وذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وسمعوا منه القرآن، وعلموا أن هذا الكلام لا يستطيع أحد من البشر أن يقوله، وأنه كلام الله، وأن محمدًا هو النبي الحق والرسول الخاتم، فآمنوا به وأصبحوا من مسلمين طيبين. وهكذا فشلت محاولات الكفار الأشرار، فحاول بعضهم تأليف شىء كالقرآن، فلم يستطيعوا وفشلوا أيضا. 

وأدي ذلك إلى أن عرف كثير من الناس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتشر خبره في بلاد العرب كلها. 

مرحلة التعذيب و الإيذاء 

لما فشل الكفار في إبعاد الناس عن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، اعتاظوا وتضايقوا لذلك. وفكروا فيما بينهم في طريقة ثانية لصرف الناس عنه، وأخيراً قرروا أن يعذبوا كل من آمن بمحمد، حتى يترك دينه، وحتى يخاف الناس أن يدخلوا في دينه الجديد دين الإسلام. 

فأخذ كل رئيس قبيلة منهم يعذب من ينتمي لقبيلته من المؤمنين الطيبين. 

بدأ الكفار بضعفاء المسلمين، فربطوهم بالحبال والدروع الحديدية الملتهبة، وتركوهم تحت الشمس بدون طعام وشراب. 

ووضعوا الحجارة الساخنة على أجسامهم وقالوا لهم : إما أن تتركوا دينكم وتعبدوا الأصنام، وإما تبقون تعذبون في الشمس! فرد المؤمنون، وقالوا : لا، لن نعبد إلا الله وحده. 

سنعبد الله الواحد الأحد. (أحد أحد). 

يعني : ربنا واحد، ولا نعبد غيره! 

وكان أبو جهل إذا سمع قد أسلم من برجل قد أسلم الرؤساء الأقوياء، هدده بخسارة ماله وزوال سلطانه، وإن كان ضعيفًا ضربه وعذبه. 

أول الشهداء

كان عمار بن ياسر رضي الله عنهما عبدًا، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون وخاصة أبو جهل يخرجونهم إلى الصحراء في شدة الحر فيعذبونهم. 

وكان يمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون، ولا يستطيع أن ينقذهم مما هم فيه من العذاب، فيقول : (صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية (ام عمار) فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وكانت امرأة عجوزًا كبيرة ضعيفة. 

أبو بكر الصديق رضي الله عنه يعتق العبيد من المسلمين

اشترى أبو بكر الصديق رضي الله عنه هؤلاء العبيد؛ فأعتقهم جميعًا. 

وقد عاتبه في ذلك أبوه أبو قحافة، وقال : أراك تعتق عبيد ضعفاء، فلو أعتقت رجالًا أقوياء لحموك ودافعوا عنك. 

قال أبو بكر: إني أريد الأجر والثواب من الله فأنزل الله قرآنًا مدح في أبي بكر رضي الله عنه.

الجزء الخامس من السيرة النبوية للأطفال، الهجرة إلى الحبشة ورحلة الطائف والإسراء والمعراج

تعليقات